كانت واقفة بمحطة المترو بالقرب من شباك التذاكر بانتظار صديقتها ليبدآ إحدى جولاتهما الفلكلورية. كانت تشعر بقلق كبير: أولاً لأن اليوم والدتها نصحتها بألا تذهب في هذا المشوار نظراً لأنها ليلة عيد الميلاد المجيد و من المتوقع أن يحدث ’قلق‘ في البلد بعد حادث ليلة رأس السنة بالإسكندرية. ثانياً لأنها منذ أن بدأ اليوم و الحظ السئ يصاحبها و يأخرها عن ذلك المشوار فتفكر ربما هي علامات ان ربنا يريد أن يجنبها كارثة ما. كانت تتلفت تراقب الناس من حولها؛ هل من بينهم من هو مثير للشبهات؟!
في المترو كانت تراقب الناس في عربة السيدات و كأنهن من عالم آخر-أو لعلها هي من عالم آخر. مر طفل صغير لا يتعدى الخمس سنوات يوزع ورقة مطبوعة على كل سيدة. في البداية ظنت أنها دعاء و لكنها اكتشفت أنها طريقة مبتكرة للشحاذة. ’باختصار أنا طفل –كما ترون- و للقدر توفى والدي و أمي مريضة لا تستطيع أن تعمل؛ ساعدوني و لو بثمن رغيف العيش.’ مر الولد مرة أخرى يجمع فيها ورقاته. وقعَت في حيرتها المعتادة في مثل هذه المواقف: "أعمل ايه؟ أصدقه و أديله فلوس؟ طيب لو طلع كداب و أخدها يشم بيها كُلَة؟ يا ترى مين علمه يشحت بالطريقة دي؟" لم ترى أحداً يعطيه شئ مع الورقة إلا من سيدة واحدة تحدثت معه قليلاً ثم أعطته الورقة و ما فيه النصيب. غارت من الموقف و ظنت أنها كانت أولى أن تتخذ موقف كهذا.
في المترو، فتاة بأكياس كبيرة و كرتونة تُخرج منها أشياء بلاستيك ملونة و تبدأ بالصياح: "معايا قمع للعصير أو للممبار بجنيه و نص." لا أحد يعيرها انتباه في البداية، فتُخرج سلعتها التالية: "حد عايز مفرش تلاجة؟ معايا مفرش تلاجة و مش بيغطي كل الرف بيسيب مكان للبرودة تطلع منه." تبدأ السيدات في التساؤل عن مفرش التلاجة ثم تبدأ حركة البيع.
تنزل هي من المترو: "المترو ده عالم!"
في المحطة، اقترب رجل من صندوق اطفاء الحريق يحمل معه حقيبة بيضاء بلاستيكية مربوطة العنق و مكتظة بما فيها. وضع الكيس فوق الصندوق بعد أن وقف على شئ ليطال أعلى الصندوق. ابتعدَتْ بشكل لا إرادي و لكنها أبقت عينها على الرجل. فكرت أنها يجب أن تنظر إليه جيداً لتستطيع أن تصفه إذا ما طُلبت شهادتها بعد الانفجار- اذا نجت منه. بدأت تعيد على نفسها مواصفاته: "راجل كبير، أسمر بعمة على راسه و لابس لبس عمال النظافة". و لكنها لم تتمكن من رؤية وجهه. "و لكن لماذا قد يقوم أحدهم بتفجير محطة المترو؟!"
انتبهت أنها لا يجب أن تخف حتى لا يظهر عليها الضعف فتبدو فريسة سهلة للتحرش الذي يبدو سهل جداً وسط هذا الزحام. كل ذكر يمر من أمامها يستبيح أن ’يبحلق فيها و يجيبها من فوق لتحت’ بطريقة مستفزة تجعلها تفكر أن تفاجأ أحدهم باستهزاء: "أؤمر؟!" و لكنها تدرك أن رد الفعل المتوقع هو إما مزيد من ’التناحة’ –أو ربما ’البجاحة‘- أو : "انتي حد جه جنبك؟!" فبالتالي تتراجع عن الفكرة. ناهيك عن استهبال البعض و محاولات الاقتراب أكثر و أخذ ما هو أكثر من نظرة طويييييييلة. كانت تبتعد عن مجاله عندما تقرأ نية الاستهبال في طريقته. لا يوجد فتاة على وجه البسيطة إلا و لديها رادار خاص لالتقاط نوايا كتلك.
بين كل دقيقة و الأخرى كانت تقف أمامها سيدة أو اثنتان لسؤالها عن أي طريق يسلكن للخروج من المحطة إلى مكان معين. كانت ترتبك كلما اقترب منها أحد و لكنها كانت تتماسك و لا تظهر أي قلق و تشير لهن: "تقريباً من هنا". كانت السيدات يأخذن كلامها ثقة و فوراً يتجهن إلى حيث أشارت؛ على الرغم من "تقريباً". أخذت بعض الثقة بنفسها و أخذت تفكر : ’أنا جدع!’
فاجأها أنها حقاً خائفة و تشعر و كأنها طفل تاه عن أهله في الزحام. شعرت أنها تفتقد سيارتها التي تحتويها معظم الوقت و التي لم تأخذها اليوم لتفادي زحمة الطريق و لصعوبة وجود مكان لها في هذه المنطقة. شعرت أيضاً بافتقادها لخطيبها الذي توليه مسئولية أمنها عندما تكون معه و لا تقلق من سخافات أحد.
قالت لنفسها: "يعني البنت لازم تمشي جوه عربية أو معاها راجل عشان ماحدش يضايقها؟!
طيب و الانفجارات؟!
فعلاً البلد دي ما بقيتش أمان!"