Saturday, May 30, 2009

غراب




يُعتبر نذير شؤم لدرجة توترك بشكل لا إرادي و تجعلك تنتظر وقوع كارثة من العيار الثقيل إذا استيقظت على صوته في الصباح.
لا أدري إن كان لهذا الاعتقاد أساس في التراث أم أنه ارتبط بقصة ابني آدم إذ ربما تخيل أحد ما مشهد القتل و في الخلفية يدور نعيق الغربان فتناقل المشهد من مخيلته ليصبح صوت الغراب تحديداً مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالموت. أو ربما هو اعتقاد مبني علي مبدأ تشاؤمنا من كل ما هو أسود و يصدر صوتاً مزعجاً. و لكن ما يجرح هذا التحليل الأخير هو لماذا إذن لا نتشاءم من رؤية كلب أسود أو من سماع صوت الحمار الذي قال عنه الله سبحانه و تعالى أنه أنكر الأصوات و نكتفي فقط بذكر الله في الموقفين و الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؟!

من جانبي فأنا أكن معزة خاصة جداً و احترام لهذا الكائن بل أنني أشفق عليه كثيراً من كم التشاؤم المنسب له و شخصياً لا أتشاءم منه. يرجع ذلك لفترة من حياتي قررت فيها ألا أتخذ مواقف تجاه الأشياء لمجرد أن من حولي يعتقدون ذلك و دون تفكير. أخذت علي كاهلي أن أراقب تصرفات الغراب قد أجده كائن كريه مثلاً فيعلل ذلك كره الناس له. و لكني وجدت العكس تماماُ.

بدايةً دوره في قصة ابني آدم كان دوراً نبيلاً حيث أرسله الله ليعلِم الأخ كيف < يداري سوأة أخيه > و هي قيمة لم يكن ليكتسبها الإنسان لولا الغراب.

كنت يوماً أجلس في حديقة فلاحظت مجموعة من الغربان واقفين علي الأرض. راقبت الموقف عن كثب فوجدت واحداً منهم يقترب من قطعة طعام ملقاة علي الأرض و الآخرون يشكلون نصف دائرة خلفه و لم يزاحمه أحدهم حتى انتهى من طعامه ثم دار دورة في الهواء و هبط لينضم لنصف الدائرة. أثناء ذلك كان غراباً آخر قد تقدم نحو الطعام و أيضاً دون مزاحمة من آخر. تكرر المشهد أمامي عدة مرات حتى نفذ الطعام فطاروا جميعاً ربما بحثاً عن طعام آخر لمن لم يأخذ قسطه من ذلك.

منذ أسبوع تقريباً على كوبري أكتوبر بينما كانت أختي تقود السيارة و أنا أستقل الكرسي بجوارها أدهشني مشهد غراب يقف على الرصيف في وسط الكوبري. في البداية استعجبت لوجوده على الأرض أساساً. كان الغراب يحاول عبور الطريق في خطوات تشبه البشر تماماً. كان يتقدم خطوة للأمام و يرجع خطوتين للخلف عند اقتراب سيارة إلى أن نجح في الوصول بمنقاره لقطعة من غراب آخر دهسته سيارة و جثته مفتتة على منتصف الممر إلى أقصى يسار الكوبري. أخذ قطعة من رأس صديقه و طار. استوقفني المشهد كثيراً و وددت لو أقف لأراقب الغراب يعود ليلملم باقي أشلاء الغراب الآخر و أرى أين يقوم بدفنه كما علمه ربه منذ بدء الخليقة.